الشيخ ابن حميد: من حلم الطبيب إلى الإمام الفقيه
بروفايل "سبق" - خاص:
معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام والرئيس السابق لمجلس الشورى والمجلس الأعلى للقضاء وعضو هيئة كبار العلماء هو بحق أحد رجالات الوطن الذي خدم في مجالات عدة، وكان رفيقاً للعطاء والمنجز.
الشيخ ابن حميد حفلت سيرته بمراحل تجلت فيها قدراته وكان فيها الداعية والإداري والمعلم، في وقت اعتبر فيه فقيهاً محنكاً سبق سنه، وبهامته وقامته تأهل ليكون في مصاف كبار العلماء والفقهاء في هذا البلد المعطاء.
والشيخ ابن حميد هو من مواليد بريدة عام 1369هـ، وفي حياته العملية عمل معيداً بكلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم محاضراً بها ثم أستاذاً مساعداً، وصولاً إلى مشرف على الرسائل العلمية ومناقشتها، ثم رئيساً لقسم الاقتصاد الإسلامي، ثم عميداً لجامعة أم القرى. وهو أيضاً يجيد اللغة الإنجليزية وتضم لائحة مؤهلاته الدكتوراة بتخصص شريعة الفقه وأصوله، والماجستير في الفقه وأصوله.
بعدها عين نائباً للرئيس لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ثم مديراً لمركز الدراسات العليا الإسلامية بجامعة أم القرى ووكيلاً لكلية الشريعة للدراسات العليا، ثم عضواً بمجلس الشورى منذ عام 1404هـ، إلى أن صدر مرسوم ملكي بتعيينه في هيئة كبار العلماء في 6/ 3/ 1422هـ.
وقد كان للشيخ مشاركات مشهودة في المؤتمرات العلمية والعالمية في القاهرة والرباط ولندن وأمريكا وباكستان وماليزيا وجنوب إفريقيا.
كما عمل مدرساً بالمسجد الحرام، وقد صدرت موافقة سامية على تعيينه مدرساً ومفتياً به. كما عين عضواً في المجلس الأعلى العالمي للمساجد برابطة العالم الإسلامي. وعضواً في اللجنة الشرعية بهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية.
وللشيخ مؤلفات كثيرة لعل من أبرزها: "وضع الحرج في الشريعة الإسلامية ضوابطه وتحقيقاته"، كما يأتي في مقدمتها شهرة مؤلفه الشهير: «تاريخ أمة في سير أئمة»، ويضم ترجمة لأئمة الحرمين الشريفين وخطبائهما منذ عهد النبوة إلى سنة 1432هـ أي لمدة 15 قرناً من الزمان.
حياة الشيخ حافلة بالدروس والعبر، يعود لها ذاكراً في مناسبات عديدة، منها وضمن لقاء معه في المجلة العربية يصف الشيخ بن حميد بعض جوانب نشأته قائلاً: "أما إخواني وأنا فقد كان الوالد -رحمه الله- عالماً من العلماء وصالحاً من الصالحين ورجل دولة ورجل عامة له المنزلة الاجتماعية الواسعة، والتواصل الكبير في الداخل والخارج، كما أن له شخصيته المتميزة جداً في بيته ومع أهله وأولاده، فهو مربٍ من الطراز الأول، متابع متابعة عجيبة للشأن البيتي على الرغم من كبر مسؤولياته".
مضيفاً: "أما حفظ القرآن فهي نعمة أنعم الله بها عليَّ وأعدُّها من أكبر النعم بعد نعمة الإسلام، بل لا أبالغ إذا قلت إني أعد كل فضل أعيشه وكل راحة أنعم بها وكل سعادة أشعر بها، كل ذلك بفضل الله سبحانه، ثم بنعمة هذا القرآن العظيم تلاوة وتدبراً، كما أن له تأثيراً كبيراً في السلوك وتأثيراً كبيراً كذلك في استقامة اللسان وحسن البيان، ولا أتحدث في هذا عن نفسي فقد أكون من أقل المتأثرين في ذلك، لكني ألاحظه في كثير ممن رزقهم الله حفظ كتابه، وأقول ذلك من منطلق تأمل وسبر وملاحظة".
أما فترة رئاسته لمجلس الشورى فقد كانت فترة إنجازات لعل من أبرزها إصدار المجلس قرارات مهمة مثل "نظام المرافعات الشرعية"، و"نظام المحاماة"، وأيضاً نظام "الإجراءات الجزائية".
ويعتبر الشيخ أن أحب المهن إليه التدريس.. يقول: "أنا مغرم بالتدريس والمطالعة والقراءة وأحب التحضير للدرس والمحاضرات وأشعر أنه ليس لدي الوقت الكافي لأشبع هذه الرغبة".
ويتذكر حلم الصغر: "كانت طموحاتي في المرحلة الثانوية على الرغم من تحصيلي الشرعي وثقافتي في العلوم الشرعية والعربية وحفظي لكتاب الله الكريم، فقد كان طموحي أن أكون طبيباً، ولكن -شاء الله سبحانه- غير ما شئت وأراد غير ما أردت، وكان فيما أراده الخير كل الخير، وأؤكد أن سعادتي فيما قدره الله لي واختاره لا توصف رضى بما قسم الله فيما قدّره خير مما قدّرته وما كتبه خير مما أمَّلته".
يقول عنه الكاتب علي محمد الرابغي: "الشيخ صالح بن حميد.. الفقيه الذي سبق سنه، كان الشيخ ومازال يحفر في أذهان وفي قلوب هؤلاء الذين يتحلقون حول معانيه السامية من الرفق وسمو الأخلاق والعلم الغزير.. وكأنما هو يغرف من بحر".
مضيفاً: "شيخنا بإقرار الكثيرين يمتلك من القدرات ما أهلته أن يسبق عمره الذهني عمره الزمني بمراحل، ويحفظ له التاريخ انطباعاً يثمنه الناس".
ومعتبراً أن الشيخ ابن حميد: "استطاع في كل المواقع التي شغلها أن يبرهن على أنه أكبر من الكراسي وأنه دائماً الرجل المناسب في المكان المناسب".
أما رئيس تحرير صحيفة "الوطن" السابق جاسر الجاسر فيقول معلقاً على طلب الشيخ إعفاءه من المجلس الأعلى للقضاء: "حسناً فعل الشيخ صالح بن حميد حين طلب الإعفاء ومنحه الملك تقديراً بتعيينه مستشاراً في الديوان الملكي فهو رجل فاضل وعالم قدير وشخصية خلوقة، الشيخ صالح عالم بن عالم عظيم، ومتحدث لبق، ويتوافر على صفات النبل كاملة، حسناً فعل الشيخ صالح، فهو رجل خدم القضاء إلا أنه ليس أنانياً أو متمسكاً بمنصب".
من جهته يرى الأستاذ الدكتور سالم بن أحمد سحاب في صحيفة المدينة أنه على الرغم من الفترة القصيرة التي قضاها الشيخ في مجلس القضاء إلا أنه: "أنجز الكثير مما لم يُنجز على مدى 3 عقود مرت على القضاء".
مضيفاً: "الشيخ صالح بن حميد عالم فذ وفقيه متنور وخطيب مفوه وثروة وطنية نتمنى له التوفيق في منصبه الجديد".
فيما يقول الكاتب خالد بن محمد الأنصاري أنه لا غرو: "أن تجتمع قلوب الناس على اختلاف فئاتهم ومستوياتهم العلمية والفكرية على محبته ومودته، لقد من الله سبحانه وتعالى على شيخنا بخصال وفضائل جمة؛ وقد كان نموذجاً للعالم والفقيه المعاصر الملم بالأحكام الشرعية".
مضيفاً: "شيخنا الجليل يعد من الفقهاء المجتهدين في هذا العصر، فعلى رغم أعبائه الإدارية لم ينقطع عن إمامة الحرم والخطابة فيه".
وفي يوم صدور الأمر الملكي بإعفائه بناء على طلبه وتعيينه مستشاراً بالديوان الملكي أنشأ "التويتريون" "هشتاق" باسمه مثنين على الشيخ بتلقائية وببساطة كبيرتين فقال بعضهم: "هناك أناس تشعر دائماً بأنهم يمثلونك كمواطن وتجزم بأنهم يبحثون عن حقك كما لو كان لهم، الشيخ صالح أحد من نظنهم كذلك والله حسيبه ولئن غاب عنا رئيساً للقضاء سيبقى صوت خطبه التي يصدح بها من منبر المسجد الحرام حاضراً في القلوب، وفقه الله".
أما الكاتب صالح الشيحي فيصف منظراً جمعه بالصدفة مع الشيخ قائلاً: "من تواضع لله رفعه".. ركب الباص مع الناس بهدوء.. كان يحمل حقيبته بيده.. صعد الطائرة معهم.. كان يسلم على الصغير والكبير بأدب جم.. جلس في مقعده دون أن يثير الانتباه، كان مثالاً في التواضع وحسن الخلق.. إنه فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء وإمام وخطيب المسجد الحرام، أطال الله عمره".