الرسول (صلى الله عليه وسلم) مربيًا
حَثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على تربية الأولاد وتأديبهم، فقال :"الزموا أولادكم، وأحسنوا أدبهم" وإذا تتبعنا السنة النبوية نستطيع أن نستقى منهجا تربويا يتضمن وسائل إصلاحية ناجحة ومناسبة للطفل، يتضح منها طريقة الإسلام في الإصلاح، ومنهجه في التربية فنجد:
1- توجيه الولد ووعظه وملاطفته، فقد روى البخاري ومسلم عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال : كنت غلامًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصَّحْفَة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا غُلَامُ سَمِّ الله ، وكُلْ بيمينك ، وكُلْ مما يليك ).
2- هَجْرُ الولد، وعدم مخاطبته والكلام معه، حتى يرجع عن الخطأ الذي ارتكبه، بدلًا من استخدام العنف الجسدي، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحذف [رمي الحصى بالسبابة والإبهام] وقال : (إنه لا يَقْتُلُ الصيد ولا ينكأ العدو ، وإنه يَفْقَأُ العين، ويَكْسِرُ السن) وفي رواية : أنّ قريبًا لابن مُغَفَّل [ وكان دون الْحُلُم ] حذف، فنهاه، وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحذف، وقال: إنها لا تصيد صيدًا. ثم عاد، فقال : أُحَدِّثُكَ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ثم عدت تَحْذِف ؟ لا أكلمك أبدا".
ويُمْكِن أنْ يُسْتَدَلَّ أيضًا بقصة الثلاثة الذين تَخَلَّفُوا عن غزوة تبوك، حينما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم التحدث معهم، وبقوا على ذلك خَمْسِين ليلةً، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، حتى أنزل الله توبته عليهم في كتابه الكريم ، وقد ثَبَتَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هجر بعض نسائه شهرًا، زجرًا لهن وتأديبًا.
3- ضَرْبُ الولد ضربًا غَيْرَ مُبَرِّح، وإنما ضربًا للتربية والتأديب، بحيث يُؤَدِّبُ الولدَ، ولا يترك أثرًا في جسده. فقد روى أبو داود والحاكم عن عمرو بن شُعَيْبٍ عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (مُرُوا أولادَكُم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضْرِبُوهم عليها وهم أبناء عَشْرٍ ، وفَرِّقوا بينهم في المضاجع). وللحديث شواهد تقضي بقوته. ولحديث: (لا يُجْلَدُ فوق عَشْرِ جَلْدَاتٍ إلا في حَدٍّ من حدود الله). أخرجه البخاري وغيره.
وقال بعض المحققين من أهل العلم، كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم: (وعُرْفُ الشرعِ إطلاقُ الحَدِّ على كل عقوبةٍ لمعصيةٍ من المعاصي، كبيرةً أو صغيرة، فيكون المراد بالنهي المذكور في التأديب للمصالح، كتأديب الأب ابنه الصغير). وفي ضرب المربين للصبيان : حدد فقهاؤنا حدودًا لا يجوز للمربي تجاوزها؛ إذ يلـزمه أن يتقـي في ضربه الوجه، ومكان المقاتل؛ لما ورد في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عـلـيـه وسلـم، قال : " إذا ضرب أَحَدُكم فَلْيَتَّقِ الوجه".
وهكذا نجد النبى صلى الله عليه وسلم يُوَجِّه الطفل بالملاطفة والوعظ، وعلى المربي- إن لم يُجْدِ ذلك- أن يلجأ إلى الهجر، ثم إلى الزجر، ولا يجوز له أن يلجأ إلى الضرب، إلا إذا عجز عن جميع الوسائل الإصلاحية السابقة، فلا بأس بعد هذا أن يلجأ إلى الضرب غير المبرح، عسى أنْ يَجِدَ المربي في هذه الوسيلة إصلاحًا وتقويمًا لسلوك الولد واعوجاجه.
والْمُطَالع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم يلمس رقة قلبه ورحمته مع الأولاد، فقد دخل رجلٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجَدَهُ يقَبِّلُ حفيدَهُ الحسن بن علي -رضي الله عنهما-، فَتَعَجَّبَ الرجل، وقال: والله يا رسول الله، إنّ لي عشرةً من الأبناء ما قبَّلتُ أحدًا منهمْ أبدًا، فقال لهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم
مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحم). [متفق عليه].
وفي رواية: ((أَوَ أَمْلِكُ أنْ نَزَعَ اللهُ الرحمة من قَلْبِك؟!)) مُخَرَّجٌ في الصحيحين من حديث عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما.
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: كان رسول الله يأخذني فيُقْعِدُني على فَخِذِه، ويُقْعِد الحسنَ على فخِذِه الأخرى، ثم يَضُمُّهُمَا ثم يقول: (( اللهم ارْحَمْهُمَا؛ فإنِّي أرحمهما)) أخرجه البخاري.
وصَلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.