عندما
يكون الطفل مريضاً بالفعل، فإن الوالدين يبدون نحوه قدراً كبيراً من
العناية والاهتمام، لا لأسباب طبية عملية وحسب، بل كذلك لأنهم يتألمون
لحالته. فهم لا يترددون في إعفائه من شراب لا يستسيغه، واعداد نوع آخر له
على الفور، ويحسون بفرح غامر عندما يهدونه لعباً جديدة لكي يدخلوا السرور
على قلبه والطمأنينة إلى نفسه. ثم انهم لا ينفكون عن سؤاله عن حالته بطريقة
ملؤها الخوف والجزع.ولكن الطفل سريع التكيف طبقاً للأوضاع الجديدة التي
تطرأ في المنزل. فإذا ما أصيب بمرض أصبح نزق الطبع ولا يتردد في التحكم
بأمه تحكم الطاغية الجبار.
على أنه من حسن الحظ، أن 90% من أمراض
الأطفال تبدأ بالشفاء في غضون بضعة أيام، ومن هنا فحالما تكف الأم عن
الشعور بالقلق تكف أيضاً عن التزلف لطفلها وتملقه اذا حاد في تصرفه عن
الطريق القويم. وبعد يومين أو نحو ذلك من المصادمات المحمولة، يعود كل
منهما إلى حالته الطبيعية.
أما اذا طال أمد المرض أو كان من النوع
الذي يعاود الطفل فتنتكس حالته، أو إذا كان الأبوان من النوع الذي يهيمن
عليه القلق بسرعة، فإن استمرار جو القلق البالغ قد يترك أثراً سيئاً في
نفسية الطفل. فهو يمتص جزءاً من القلق الذي يهيمن على من حوله، وتزداد
طلباته ويضعف بعض ما لديه من طاقات على مواجهة ظروفه، كما يحدث للعضلات
التي لا تستعمل.
من الحكمة وحسن التدبير أن يتشجع الأبوان ويعودا
بطفلهما المريض إلى حالته الطبيعية العادية حالما يصبح ذلك ممكناً. ويقتضي
ذلك أن تحل محل نظرة الأم - أو الأب - القلقة عند دخولها إلى غرفة الطفل
نظرة مطمئنة مشبعة بالمودة، فتسأله بلهجة يبدو من خلالها أن آلام تعتقد أن
حالته طيبة، كيف يحس اليوم، ثم قد لا تسأله عن صحته أكثر من مرة واحدة في
اليوم . وعندما تكتشف الام من خلال التجربة ما يميل إلى تناوله من
المأكولات والمشروبات، فلا بأس بأن تقدم له ذلك بين وقت وآخر. ولكن دون
سؤاله بخوف او ابداء الابتهاج والسرور لأنه تناول قدراً منها، بل يجب
الابتعاد عن مثل هذا التصرف وعدم التفكيرفيه. وإذا ما اهدي لعباً جديدة،
فلنحاول أن تكون من النوع الذي يستطيع أن يستعملها بنفسه، مستعيناً بقوة
خياله، (التربيعات وأدوات البناء والخياطة والغزل والتصوير وجمع الطوابع).
فهذا النوع من الألعاب يمكن أن يشغله وقتاً طويلاً في حين أن الدمى ليس
فيها غير جمال مظهرها ومع هذا، فسرعان ما يفقد اهتمامه بها، ويطالب بالمزيد
منها.. وهناك الكثير من اللعب التي يمكن اعدادها في المنزل كاقتطاع الصور
الفوتوغرافية من المجلات القديمة، والخياطة والنجارة، وبناء المدن أو
المزارع أو المنازل المصنوعة من الورق المقوى (الكرتون) والغراء.وإذا ما
اضطر الطفل إلى ملازمة الفراش مدة طويلة دون أن تضعف قواه وبقيت صحته
العامة جيدة، فمن الأفضل أن نأتي له بأسرع وقت ممكن بمعلم، سواء من أفراد
الأسرة أو محترفاً، حتى يتابع دروسه بشكل منتظم يومياً. وإذا كان الطفل من
النوع العاطفي فإنه يحتاج إلى رفيق يبقى معه ولو بعض الوقت يومياً،
وبالامكان، في هذه الحالة، أن نشاركه بعض وجوه نشاطه وأعماله، وأن نقرأ له
بعض القصص، أما إذا كان ملحاحاً يسعى نحو المزيد من العناية، فلنحاول أن
نتجنب النقاش معه والمساومة. وإذا كان مرضه من النوع غير الساري أو المعدي،
بحيث يسمح له الطبيب باستقبال الناس، فهذه الفرصة لدعوة بعض اصدقائه
بانتظام لكي يلعبوا ويتناولوا الطعام معه.
من شأن ذلك كله مساعدة
الطفل أن يحيا حياة طبيعية عادية بقدر الإمكان في اثناء مرضه كما يساعد على
أن يكون سلوكه نحو بقية افراد الأسرة مقبولاً لا تتخلله الأحاديث والنظرات
أو الأفكار المثيرة للقلق