بعد ساعات قليلة من كتابة هذا المقال ، ستدور أحداث اللقاء الفاصل
والمرتقب بين مصر وغانا .. وقلوبنا جميعا مع أفراد الفريق المصري وهو علي
أعتاب إنجاز كروي يصل إلي مرحلة الإعجاز ، ورقم قياسي جديد قد يصعب
كسره أو تحطيمه خلال الخمسين عاماً المقبلة.. وعلي الرغم من أن الفوز
بالكأس والاحتفاظ به إلي الأبد هي أمنية المصريين جميعاً ، علي اختلاف
انتماءاتهم الكروية ، وعلي اختلاف توجهاتهم الفكرية .. فإنني أعتقد
أنه بغض النظر عن النتيجة المرتقبة فإن هذه البطولة قد حققت أهدافاً
كثيرة للفريق المصري بصفة خاصة ، وللمصريين بصفة عامة .
أولي
هذه الأهداف التي تم تحقيقها ، هي بث الثقة في قلوب المصريين في
قدرتهم علي العودة مرة أخري ، مهما كان حجم الإخفاقات التي يتعرضون
لها .. فبعد مباراة أم درمان ، وخروج المنتخب المصري من المونديال
، ظن البعض أن الفريق المصري لن يقوي مرة أخري ، وأن فريق حسن شحاتة
قد بدأ رحلة الهبوط .. غير أن هذه البطولة أثبتت أنه بالإمكان أن يتم
تجاوز لحظات الانكسار بسرعة، والعودة إلي الإنجاز ، بشكل مخطط
ومدروس ..
ولعل النقطة السابقة تدفعنا إلي الإشارة إلي بعد
نظر الرئيس مبارك وحكمته ، عندما استقبل الفريق المصري بعد رجوعه من
السودان .. لم يكن علي الرئيس مبارك حرج في عدم استقبالهم بعد هزيمتهم
.. ولكنه أراد أن يرسي قاعدة وهي مجازاة من يعمل بجد ، بغض النظر عن
النتيجة ، ودعم من يعمل بإخلاص ، والتربيت علي كتف من يؤدي واجبه
بتفانٍ .. وأكاد أزعم أنه لولا استقبال الرئيس مبارك لهذا الفريق بعد
موقعة أم درمان ، لأصبح الحديث عن هذا الفريق الآن هو " حديث
الذكريات" ، ولكنه الدرس الذي يجب أن نتعلمه : لا تذبحوا من يخفق
، فمن يخفق اليوم قد يحقق غداً كل الأمنيات المستحيلة .
هدف
آخر حققته هذه البطولة ، وهي التأكيد أن " مصر ولادة" ، وأن بها
كثيراً من المواهب في كل المجالات .. وهذه المواهب تحتاج فقط إلي من
يكتشفها ، وإلي من يزيح عنها التراب ، وإلي من يعطيها الفرصة ..
نحن نحتاج في مصر إلي " الكشافين" الذين يسعون إلي اكتشاف المواهب
والكفاءات في كل المجالات ، فهذه المواهب والكفاءات هي القادرة علي
تحقيق الإنجازات الضخمة ، والقادرة علي العبور بنا إلي فضاءات مختلفة
وجديدة .. ولعل " جدو" أن يكون نموذجاً لما أعنيه .. نحن نحتاج
إلي من يبحث عن " جدو" في كل المجالات .
درس آخر نتعلمه من
هذه البطولة ، وهي أن هناك علاقة عكسية بين ارتفاع النبرة والخطاب من
ناحية ، وارتفاع المستوي والقدرة علي تحقيق الإنجاز من ناحية أخري ..
فمن يتحدث بصوت عال يفقد القدرة علي التركيز ، ويفقد القدرة علي
استيعاب الموقف .. لقد فضل الجميع النبرة الهادئة ، والحديث العاقل
، والتركيز العالي ، والاهتمام بالعمل لا بالقول .. لم تكن
بطولة أنجولا مجرد مباريات كرة قدم ، ولكنها في مجملها دروس في
التخطيط يجب أن نتعلمها ، ونماذج لكيفية معالجة الأزمات والاستفادة من
الأخطاء السابقة يجب أن نعيها ..