بعثة الرسول class="postcontent restore ">لم يبعث رسول الله نبيا إلى قومه إلا بعد
أن بلغ أربعين سنة من العمر وهكذا كان كل نبي ما عدا عيسى عليه السلام، لكن
بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم اختلفت عن بعثة الأنبياء الآخرين،
فهو أكملهم خَلْقاً وخُلُقاً ومقاماً ومنزلة، ولو لم يكن كذلك لما صلى بهم
إماما ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى.
يقول ابن إسحاق كما يروي عنه
ابن هشام إن أول ما بدأ به رسول الله من النبوة الرؤيا الصادقة، لا يرى
رسول الله رؤيا في نومه إلا جاءت كفلق الصبح (رواه البخاري).
وتقول
السيدة عائشة رضي الله عنها إن الرسول حبب الله إليه الخلوة، فلم يكن شيء
أحب إليه من أن يخلو وحده، فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه أي يتعبد
الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة
فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء (رواه البخاري).
ومما
حصل للرسول أيضا قبل بعثته أن شق الملكان صدره وأخرجا منه حظ الشيطان،
وتذكر كتب السيرة أن شق الصدر حصل له مرتين، مرة عندما كان في الثالثة من
عمره، ومرة أخرى ليلة الإسراء والمعراج كما رواه البخاري.
ومن مراحل
البعثة أنه بعد الرؤى الصادقة لبث ثلاث سنوات يسمع حس الملك ولا يراه،
وكان يعلمه بعض الشيء، وكان الهدف من هذا إمداد الرسول بالمعونة الإلهية،
ليكون فيما بعد قادرا على تحمل الوحي.
ثم نزل عليه جبريل بالوحي،
وقد أراه نفسه على شكله الطبيعي، فغطى بأجنحته ما بين المشرق والمغرب فلم
يطق رسول الله رؤيته، فكان فيما بعد ينزل عليه على صورة الصحابي الجليل
دحية الكلبي وكان جميل الصورة.
وكان بدء الوحي بسورة “اقرأ” كما ورد
في الحديث المشهور الذي أورده البخاري في صحيحه، وفي هذا الحديث ورد أنه
لم يطق نزول الوحي فعاد من غار حراء إلى زوجته خديجة مسرعا وهو يقول:
زملوني زملوني، ولما ذهب عنه الروع أخبر خديجة بما حدث، وهي بدورها أخبرت
ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية، فذهب الى الرسول
وسأله عما حصل له فطمأنه ورقة بأنه سوف يكون نبيا مرسلا، والذي نزل عليه هو
الناموس الذي نزل على موسى قبله، ثم قال له إن عاش الى يوم مبعثه لينصرنه
نصرا مؤزرا لكنه توفي.
وبما أن الرسول كان في حاجة لمزيد من التدريب
على تلقي الوحي فإن الوحي قد انقطع عنه لفترة، فحزن الرسول وكاد يلقي نفسه
من شواهق الجبال أكثر من مرة حزنا على انقطاع الوحي، لكن جبريل يظهر له في
كل مرة ويقول له: يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن جأشه. هكذا ورد في
صحيح البخاري.
وجاءت مرحلة أخرى حيث عاد الوحي إليه بعد انقطاعه، وكانت هذه المرحلة مرحلة إنذار لقومه حيث نزلت عليه “يا أيها المدثر قم فأنذر”.
فكان
أول من آمن به من النساء خديجة ومن الرجال أبوبكر وأول من آمن به من
الصبيان علي بن أبي طالب، وهكذا ضعفاء القوم يؤمنون به في حين أن اشراف
قريش يعاندون.
لكن محمدا لم يعبأ بذلك فصار يدعو عشيرته الأقربين
الى الدخول في الإسلام، ثم انتقل الى دعوة أهل مكة جميعا الذين كانوا
يطالبونه بالمعجزات ليبرهن على صدق دعوته، وكان الله يريهم بعض المعجزات
مثل انشقاق القمر وغيره.
كانت بعثته عام 610 من الميلاد، وأرسله
الله الى الناس كافة، وإن كان مبعثه أرض الجزيرة العربية، وكان من حق
العالم أن ينتظر قدوم منقذ للبشرية مثله، فالفرس والروم يشكون من فوضى
سياسية وأخلاقية، والهند انتشر فيها مذهب إباحة النساء، وبلاد العرب تفشت
فيها المناكر مثل عبادة الأصنام وشرب الخمور والميسر ووأد البنات والسلب
والنهب، والكتب السماوية التي نزلت قبل القرآن أصابها التحريف.
بعث
الله محمدا ليقوم بإصلاح حال الأمة بعد فسادها، وقد قال عنه المستشرق
الانجليزي روم لاندو في كتابه “الإسلام والعرب”: إن محمدا إلى جانب كونه
رجل فكر كان تقيا بالفطرة، وكان من غير ريب مهيأ لحمل رسالة الإصلاح، وعرف
بأن الإصلاح ينبغي أن يقدمه إلى البدو الذين لا يعرفون انضباطا، وإلى
المدنيين الوثنيين أيضا على نحو تدريجي، وكان في الوقت نفسه يؤمن بفكرة
الإله الواحد.
أقول: إن البشرية كانت ستنعم بالأمن والأمان لو تمسكت بمنهج محمد بن عبدالله وهو صالح لكل زمان ومكان، أليس كذلك؟